سنة 1991 تحولت الكويت من القبلة الاهم للاستثمارات العالمية والبلد النفطي المنفتح والغني الواعد الى مسرح لعمليات عسكرية بعد زحف دبابات جاره الشمالي على شوارع العاصمة امام انظار كامرات محطات التلفزة العالمية
وبالرغم من تحرير الكويت بغضون اشهر بمساعدة كبرى قوى العالم الا ان التهديد بقي قائما على مدى عقد من الزمن الامر الذي افقد الكويت كونها المستقطب الاهم للمستثمرين بالخليج
واقتنصت دبي هذه الفرصه من خلال توفير المساحه الامنه الحرة السهله والجاذبة للاستثمارات
قصة خسارة الكويت الذي تسبب به العراق تكررت في العراق بشكل يشبه اللعنه
في سنة 2003 كانت الشركات الضخمة تمثل تعطش عالمي نحو العراق
العراق كان فرصة استثمارية مدفونة لبلد منعزل عن العالم من 13 سنة ومنزوي بحكم شمولي واقتصاد منغلق من اكثر من 35 سنة لكن وبشكل صادم بعد اشهر قليلة من بدء العهد الجديد شهدت بغداد والمحافضات موجة من اعمال العنف والارهاب التي لاتزال اثارها الى اليوم
صور التفجيرات الانتحارية والجدران الكونكريتية والحواجز العسكرية داخل العاصمة بالاضافة لاعمال الخطف والاغتيال التي ركزت على الاجانب والشخصيات المهمة كانت كفيلة بتراجع المئات من الشركات والمستثمرين الاجانب والمؤسسات المالية والاقتصادية عن مجرد زيارة بغداد وليس فقط الامتناع عن استثمار الاموال فيها
الاعمال الارهابية الى جانب تشكل دولة جديدة على نفس اسس وقوانين اسس الدولة الديمقراطية السابقة بالاضافة الى الصراعات السياسية والتنافس الحزبي ولد بيئة اعمال فقيرة طاردة للاستثمارات تفتقر لوجود الشركات الرصينة مع سمعة دولية لحكومة تسيطر عليها المحسوبية والرشاوي والاجراءات الطويلة والمعقدة وبالتالي خسرت بغداد فرصة للبدء بالنهضة العمرانية من تحت الركام والتي نواعد بها العراقيين على غرار المانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية
بالمقابل وعلى بعد 360 كيلو متر فقط رجال اعمال اوربيين وامريكان ودبلوماسيين غربيين وجدوا البديل الامن والمناسب اربيل عاصمة اقليم كرستان دولة مصغرة حديثة بالقوانين والتعليمات ودخول الالمان لاربيل اسهل من دخول العراقيين انفسهم
اي مستثمر اجنبي بدل توسله للحصول على مجرد تأشيرة الدخول الى بغداد
اربيل توفرله دخول واعفاء ضريبي لمدة عشر سنوات وارض مجانية لمشاريع الضخمه واعفاء من الرسوم الكمركية لمدة خمس سنوات ويعامل المستثمر الوطني والاجنبي بالتساوي والمستثمرين الاجانب بامكانهم ان يستثمروا مع او بدون شركاء محليين ويستطيعون استخدام العمالة الاجنبية ويسمح لهم بتحويل الارباح بالكامل
وقانون الاستثمار يغطي كل القطاعات الاقتصادية ماعدا النفط والغاز
سنة 2006 اصدر الاقليم قانون الاستثمار الذي ساهم بجلب الكثير من الشركات العالمية للاقليم للاستثمار
اربيل حرفيا كانت هي البديل الانسب والائمن والاسهل للاستثمار بدلا عن بغداد
نجاح الاستثمار بالاقليم حدث من خلال عدة عوامل ابرزها الوضع الامني الجيد والتسهيلات والتشريعات السهله المرحبة والجاذبة للمستثمرين والعلاقات الدولية المهمه التي حدثت من خلال دعوة كبار الشركات العالمية والاقليمية بالاضافة الى دعم وزارة الخارجية العراقية والمثليات الاقليم ببلدان العالم وحتى سفراء العراق لنفسهم الذين عدد كبير منهم كان يعمل بحكومة الاقليم الى جانب الوفود الاقتصادية الكبيرة التي قام الاقليم بارسالها الى الخارج والمعارض الاقتصادية الدولية والقروض الصناعية والزراعية والسياحية التي تمنحها حكومة الاقليم للمستثمرين في سبيل انعاش الحركة الاستثمارية
هذه الخطوات نجحت بضخ اكثر من 52 مليار دولار امريكي كاستثمارات محلية واجنبية بين سنة 2006 و 2020
قطاع الاسكان شهد تشييد اكثر من 130 الف وحدة سكنية
ومئات الفنادق والبنايات الشاهقة اصبحت تملأ سماء مدينة اربيل وازدادت عمل الشركات العاملة بمختلف المجالات والشركات الاجنبية توافدت للاستثمار بالاقليم وتم فتح قنصليات وممثليات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والمانيا وروسيا واليابان وكوريا و30 دولة اخرى
وبالرغم من مرونة القوانين وسلاسة اجراءات تسجيل المشروعات والاختلاف الكبير في قانون الاستثمار بين بغداد واربيل لاتزال تتككرر دعوات بالاقليم لتقديم المزيد من التسهيلات لازالة الروتين الذي رافق عملية تسجيل الشركات او فتح المصانع والهدف ان تصبح كردستان نثل سنغافورة التي تستقبل الشركات الاستثمارية بدائرة واحدة تضم 35 وكالة حكومية حيث تتم الاستجابة ل 99% من التصاريح بغضون عشر دقائق
هذا باختصار قصة نجاح الاستثمار بكردستان او الاجابة على سؤال لماذا بغداد لم تصبح مثل اربيل
تقرير 2
ماهو الفرق بين مجلس الاعمار العهد الملكي وهيئة استثمار العهد الديمقراطي
خلال سنوات العهد الملكي تغيرت 59 حكومة بسبب طبيعة الازمات السياسية والحزبيه في ذلك الزمن
العمر القصير للحكومات والتغير المستمر للوزراء صعب تخطيط وتنفيذ المشاريع الاستراتيجية للدولة الناشئة لذلك كان الحل بتأسيس مجلس الاعمار بمموجب قرار رقم 7 لسنة 1950
ترأس المجلس رئيس الوزراء بعضوية وزير الاعمار ووزير المالية وستة اعضاء اخرين يشغلون سكرتارية المجلس اضافة الى اللجان المختصة والتي ترتبط بوزير الاعمار
خلال اسبوعي الاعمار كان نور السعيد رئيس المجلس كونه رئيس الوزراء ووزير الاعمار ضياء جعفر
تركزت اهداف المجلس بالدرجة الاساس على النهوض بالواقع العمراني والاقتصادي والصناعي بالعراق ورفع مستوى معيشة الشعب وبالرغم من قصر عمر مجلس الاعمار نسبيا الذي من سنة 1951 الى 1958 تميز بافتتاح العشرات من المشاريع المنجزة خلال فترة عمله بالعهد الملكي
خلال فعاليات اسبوع الاعمار الاول سنة 1956 افتتح الملك فيصل الثاني مشروع الثرثار وشروع الحبانية وجسري الحلة والهندية وطريق الحلة كوفة نجف وكانت تكلفة المشاريع المتتحة 21 مليون دينار عراقي
وبأسبوع الاعمار الثاني سنة 1957 افتتح الملك فيصل الثاني جسر الملكة عالية جسر الجمهوريه حاليا وجسر الائمة ووضع حجر الاساس للمتحف العراقي الجديد في الصالحية الذي تم الانتهاء منه سنة 1966
وافتتح الملك معمل البان ابو غريب الذي بنته الحكومه العراقية وقدمت اليونيسيف المكائن والمعدات وتم وضع حجر الاساس لمشروع اسكان غربي بغداد المتضمن بناء 25 الف بيت لغاية 1967
خلال نفس الاسبوع افتتح الملك فيصل الثاني معمل النسيج في الموصل ووضع حجر الاساس لمعمل السكر في الموصل وافتتح معمل معمل السمنت الحكومي في سرجنار وتفقد مشروع سد وخزان دوكان العملاق في السليمانية ووضع حجر الاساس لمحطة كهرباء المنطقة الوسطى وافتتح محطة الاذاعة الجديدة في ابو غريب وطريق بغداد محمودية وبغداد الفلوجة وافتتح المكتبة المكتبة الذرية التي اهدتها الحكومة الامريكية للعراق وتجاوزت تكلفة المشاريع المنجزة باسبوعها الثاني 27 مليون دينار عراقي وفي سنة 1957 تم الالتفاق مع مؤسسة مونوبوريا وشركاءه وهي شركة بريطانية مختصة بالتخطيط الحضري في سبيل تقديم التخطيط الاساسي لمدينة بغداد على مدى 20 سنة
مشاريع مجلس الاعمار لم تقتصر على فترة العهد الملكي بالرغم من الغاء المجلس بعد انقلاب 14 تموز 1958 الذي اسس الجمهورية عدد من المشاريع التي خطط لها المجلس اكتملت بالعهد الجمهوري واعتبرتها السلطة في وقتها انجاز يحسب لها مثل بناية البرلمان العراقي في كرادة مريم ومدينة الطب في الباب المعضم اضافة الى الكليات المجاورة لها ومستشفيات الكرخ والكاضمية وبناية جامعة بغداد في الجادرية والمركز المدني في شارع الجمهورية وسد دربندخان في السليمانية وسد بطمة وخزان بخمه ومعمل الورق زمعمل الحديد والصلب بالبصرة
بينما بعض المشاريع التي خطط لها المجلس لم تنفذ بعد ثورة 14 تموز
مثل دور الاوبرا وطار بغداد الجديد في الدورة وفندق هيلتون في بغداد
بعد نصف قرن من تأسيس مجلس الاعمار حاول العراق في 2003 بناء مؤسسة جديدة تتولى التخطيط للمشاريع الاستراتيجية المهمة وجذب رؤوس الاموال والاستثمارات لبنااء البلد واعادة اعماره بامال وخطط طموحة
لكن بعد 14 سنة على تأسيس هيئة الاستثمار
تبدو المقارنة بين هيئة الاستثمار ومجلس الاعمار وانجازاتها غير ممكنة ولا منطقية